كلمة ألقيت في النادي الاجتماعيّ العربيّ في "كابيماس" (Cabimas) في "فنزويلا" أمام جمهور من أبناء الجالية العربيّة هناك في أيلول 1969.
أيّها الإخوة والأخوات:
شكرًا لكم على دعوتكم إيّاي، إنّها لي عربون مودّة وذكرى لن أنساها ما حييت. إنّها فرصة أتحتموها لي كي أجتمع بكم في هذا النادي العزيز، على شاطئ بحيرة سوليا الجميلة، وتحت شجر النارجيل الشامخ.
لمّا زرت ناديكم لأوّل مرّة على أثر قدومي إلى هذه البلاد المضيافة "فنزويلا"، ثَلُجَ صدري وامتلأت غبطة، إذ أحسست كأنّي في بلد عربيّ وعرفت أنّ في الجاليات العربيّة المقيمة في هذه المنطقة البتروليّة من سوليا، حياة ً ونشاطًا لولاهما لما كان هذا النادي الرحب الذي ابتعتموه بمالكم. فشكرًا لكلّ من عمل على إيجاده، وشكرًا لمن يعمل وسوف يعمل لإعلاء شأنه: إنّه منطلق لكم، ومجال لجمع الكلمة وضمّ الشمل ورأب الصدع واكتساب السمعة الصالحة، ومكان تتذاكرون فيه وتتداولون بكلّ ما يعود عليكم وعلى الوطن بالخير والمنفعة؛ فضلًا عن أنّه متنزّه لكم في ساعات فراغكم تروّحون فيه عن أنفسكم عناء العمل المجدّ؛ فارعوه بعنايتكم والله يرعاكم ويُقيكم غوائل الدهر! ضحّوا بقسم من وقتكم ومالكم ليظلّ منارًا لكم ولمن يأتي من بعدكم من أبناء لبنان وسائر أوطان العروبة.
إنّ التضحية، أيّها المواطنون الإخوان، هي الطريقة المثلى لإقناع سائر مواطنيكم بدخول ناديكم والانخراط في سلكه، التضحية المقرونة باللباقة والمرونة ولين الكلمة. إنّه نادٍ اجتماعيّ عربيّ لا لبنانيّ ولا سوريّ ولا مصريّ ولا مغربيّ، إنّه نادٍ غير سياسيّ وغير طائفيّ، فلماذا لا يؤمّه القوميّ السوريّ والعروبيّ، سواءً كان مسيحيًّا أم مسلمًا؟
من مصلحة جميع الناطقين بالضاد هنا، أن يلتقوا في هذا البيت العربيّ لتوثيق عُرى الألفة وتوحيد القلوب، وأن يكونوا القدوة للنوادي والجمعيّات العربيّة الأخرى الموجودة في موطن بوليفر، المقيم فيه قرابة خمسين ألف عربيّ، من مختلف الأوطان العربيّة.
إذا تآلفت القلوب واتّحدتم قويتم، وشُدّ أزركم واحترمكم من تعايشونهم من مواطني "فنزويلا". إنّ أبناء العروبة إخوة وأقرباء كما قال الشاعر:
خَليلَيَّ إنّا غريبــــون هَهُـــــنَا وكلُّ غريبٍ للغريبِ قريبُ
لَجدير بكلِّ منكم أن يعتبر بهذا البيت من الشعر وأن ينظر إلى كلّ مغترب كأخ له قريب، حتّى يصير العربيّ منكم مثالًا يحتذى في الإخاء والمحبّة والتعاون.
كفانا تباعدًا وتخاذلًا وتحاسدًا أيّها اللبنانيّون والسوريّون والسعوديّون والمصريّون والمغربيّون وسائر العرب! أوَلَم توقظكم الكوارث الحالّة بكم بعد، ومن جرّاء تآمر الصهيونيّة وحكّام واشنطن وسائر المفسدين في الأرض والطامعين بخيرات أرضنا وما تحت أرضنا؟
ماذا تنتظرون لتنسوا أحقادكم وتحاربوا أنانيّاتكم وتعملوا يدًا واحدة لإنقاذ أوطانكم المغزوّة من سيطرة الصهاينة، أو لم تسمعوا متنبّي القرن العشرين المغفور له "أحمد شوقي" المنشد:
ونحن في الشرق والفُصْحى بنو رَحِم ونحن في الجرح والآلام إخوانُ
إذا أردنا وصمّمنا على تحرير المحتلّ المستباح من أوطاننا، علينا قبل كلّ شيء أن نحرّر أنفسنا من ربقة الأنانيّة الجامحة والحسد الممقوت والبغضاء، وأن نلجأ إلى السلاح الذي لجأ إليه العدوّ في محاربتنا: سلاح التعاون وإنكار الذات والإيثار والتنظيم، ثمّ السلاح الماديّ من طيّارات وصواريخ وآلات جهنّميّة أخرى لا مفرّ من اللجوء إليها والتمرّس الدقيق على استعمالها لقهر العدوّ الكاشح1 وردّ كيده إلى نحره، واسترجاع الحقّ السليب منه واستئصال الظلم المثقل كواهلنا!
هدانا الله وإيّاكم وهدى الشعوب العربيّة جمعاء سبل النجاة التي ذكرت، وعليكم السلام والتحيّة!
يوسف س. نويهض
1- الكاشح: كشح له بالعداوة: عاداه، حقد عليه.